مقدمة
الحمد لله ربِّ العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، الذي أرسله رحمةً للعالمين، وحُجةً على الخلائق أجمعين، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه، ومَن تمسَّك بسنته، ودعا بدعوته إلى يوم الدين.
أما بعد، فهذه معلومات منوَّعة تهمُّ كلَّ مسلم ومسلمة نحو ربِّه، ودينه، ونبيِّه، وقد اشتملت على ما تيسَّر من الأخلاق والآداب، وأحكام العبادات والمعاملات، بأساليبَ ميسرة ومبسطة وواضحة، يفهمها القارئ والمستمع، وقد اشتملت على "أهمية النصيحة في حياة المسلم"؛ حيث حُصِر الدين في النصيحة؛ فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((الدين النصيحة))، قالها ثلاثًا، وذَمَّ الله مَن لا يحبُّون الناصحين.
كما اشتملت على "أهمية الدعوة إلى الله"، و"كيف ندعو غير المسلمين إلى الإسلام؟"، و"كيف تحمي نفسك من المصائب؟" وذلك بالأذكار المشروعة في الصباح والمساء، وعند النوم، وعند الأكل والشراب واللباس، وبالتعوذات المشروعة كذلك، فـ"قاعدة تحرِّكُ القلوب إلى الله - تعالى" بالمحبة له، وخوفِه ورجائِه، وشكر نعَمِه، والتفكُّر في مخلوقاته، والإكثار من ذِكره، فـ"علاج مجرب لحل المشكلات والنجاح في المهمَّات" بلزوم تقوى الله، ودعائه واستغفاره، و"بيان أسباب الأمن ودوام النعم، وصرف المحن والفتن وحلول النقم"، فـ"ذكْر شيء من وصايا الصالحين" المفيدة الثمينة لمن عمل بها، فـ"ذكْر شيء من فضائل (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)"، و"بيان ثمار التقوى عاجلاً وآجلاً"، و"الحثّ على التخلق بأخلاق الرسول - صلى الله عليه وسلم"، و"ذكر شيء من دعواته - عليه الصلاة والسلام"، فـ"الآداب الحسان في تلاوة القرآن"، و"الحث على سور وآيات مخصوصة"، و"بيان دواء القلب وعلامات صحته ومفتاح حياته"، و"بيان شيء من فضائل صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم"، و"ذكْر شيء مما يتعلق بالطهارة، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وخصائص الحرمين الشريفين"، و"ذكر شيء مما يتعلق بحجاب المرأة المسلمة"، إلى غير ذلك مما سيراه القارئ في الفهرس وفي صفحات هذه الرسالة الطيبة المباركة - إن شاء الله.
وهي مستفادة من كلام الله - تعالى - وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - وكلام المحققين من أهل العلم، أسأل الله - تعالى - أن ينفع بها مَن كتبها أو طبعها، أو قرأها أو سمعها، فعمل بها، كما أسأله - تعالى - بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجعلها خالصةً لوجهه الكريم، ومن أسباب الفوز لديه بجنات النعيم، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمَّدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الدين النصيحة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فلقد أرسل اللهُ رسلَه إلى الناس مبشِّرين ومنذرين؛ لئلا يكون للناس على الله حجةٌ بعد الرسل، فبلَّغتِ الرسلُ رسالاتِ الله، ودعَوْا أقوامَهم إلى الله ليلاً ونهارًا، سرًّا وجهارًا، فمِن الناس مَن استجاب للرسل وأطاعوهم، ففازوا بسعادة الدنيا والآخرة - وهم الأقلُّون - ومنهم مَن عصَوُا الرسل ولم يَقبلوا دعوتهم؛ بل أعرضوا عنها وأبغضوها - وهم الأكثرون من الأمم - فأهلكهم الله في الدنيا، وأعدَّ لهم عذاب النار في الآخرة، وذَكَر لنا قصصَهم وأخبارَهم في القرآن؛ لأخْذ العظة والعبرة منها، والسعيد من وُعظ بغيره؛ قال الله - تعالى -: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف: 96].
وقال - عز وجل -: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ [النحل: 45، 46].
وقال - تعالى( ) -: فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت: 40].
فقوم هود (عاد) أرسل الله عليهم ريحًا تحمل الحصباء: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ [الأحقاف: 25]
وأهلك الله ثمودَ قومَ صالحٍ بصيحة عظيمة قطعتْ قلوبَهم في أجوافهم، وماتوا عن آخرهم، وأهلك الله بالغرق كلاًّ من قوم نوح وفرعون وقومه، وخسف الله بقارون وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ [القصص: 81].
وقال - تعالى - عن نبيِّه ورسوله صالحٍ - عليه السلام - أنه قال لقومه: لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ [الأعراف: 79].
أقول: ما أشبهَ الليلةَ بالبارحة! لقد أصبح كثيرٌ من الناس لا يحب النصح ولا يَقبله، ولا يحب الناصحين؛ بل يُبغضهم، وربما سعى في منعِهم من النصح والتذكير، والوعظ والإرشاد: وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ [التوبة: 62].
والله - تعالى - يقول: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات: 55].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -
(الدين النصيحة)) ثلاث مرات، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: ((لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم))؛ رواه مسلم.
فالنصيحة لله - تعالى -: الإيمانُ به، ونفي الشرك عنه، ووصفُه بصفات الكمال والجلال، وتنْزيهه عن جميع النقائص، ومحبته والقيام بطاعته واجتناب معصيته، والحب فيه والبغض فيه وشكر نِعمه.
والنصيحة لكتابه: الإيمانُ بأنه كلام الله - تعالى - وتنْزِيله، لا يشبهه شيءٌ من كلام الناس، وتعظيمه ومحبته، وتلاوته تلاوة صحيحة، وتدبُّره وتفهُّم معانيه وعلومه وأمثاله، والعمل بما فيه؛ ليكون حجةً لك عند ربك وشفيعًا لك.
والنصيحة لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: تصديقُه، ومحبته وطاعته، ونشر سنته والعمل بها، والتأدب عند قراءتها، ومحبة أهل بيته وأصحابه.
والنصيحة لأئمة المسلمين: معاونتُهم على الحق وطاعتهم، وتذكيرهم برفق، وإعلامهم بما غفلوا عنه، وترك الخروج عليهم.
والنصيحة لعامة المسلمين: إرشادُهم لمصالحهم في دنياهم وآخرتهم، وإعانتهم وستر عوراتهم، ودفعُ المَضارِّ عنهم، وجلبُ المنافع لهم، وأمرهم بالمعروف ونهيُهم عن المنكر برفق وإخلاص، والشفقة عليهم، وتخولُهم بالموعظة الحسنة.
وقد قال الله - تعالى -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الحجرات: 1].
فأمَرَ الله عبادَه المؤمنين بما يقتضيه الإيمانُ بالله ورسوله من امتثالِ أوامر الله واجتناب نواهيه، وأن يكونوا ماشين خلف أوامر الله، متَّبعين لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جميع أمورهم، وألاَّ يتقدَّموا بين يدي الله ورسوله؛ فلا يقولوا حتى يقول، ولا يأمروا حتى يأمر؛ فإن هذا حقيقة الأدب الواجب مع الله ورسوله، وهو عنوان سعادة العبد وفلاحه، وبفواته تفوته السعادة الأبدية والنعيم المقيم.
وفي هذا نهيٌ شديد عن تقديم قول غير الرسول - صلى الله عليه وسلم - على قوله؛ فإنه متى استبانتْ سنةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجب اتِّباعُها وتقديمها على غيرها كائنًا من كان؛ كما قال - تعالى -: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الحشر: 7] لمن خالف أمره، وارتكب نهيه، وهو - تعالى - (سميع) لجميع الأصوات، في جميع الأوقات، (عليم) بالظواهر والبواطن، والسر والعلانية - سبحانه وتعالى.
وقال - تعالى -: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [القصص: 50].
وهذا وعيدٌ شديد على عدم الاستجابة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بامتثال أمره، واجتناب نهيه، والانقياد لشرعه في جميع المجالات، فلا أحدَ أضلُّ ممن اتبع هواه بغير هدًى من الله، وفيها وعيدٌ على مَن هذا وصفُه بأنه لا يوفَّق للهداية.
وقال - تعالى -: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء: 65].
فأقسم - تعالى - بنفسه الكريمة أنهم لا يؤمِنون حتى يحكِّموا الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - في كل شيء يحصل فيه اختلاف، ثم لا يكفي هذا التحكيمُ حتى ينتفي الحرجُ من قلوبهم، والضيقُ من نفوسهم، ثم لا يكفي هذا التحكيم حتى يُسلِّموا لحكمه تسليمًا بانشراح صدر، وطمأنينة نفس، وانقياد في الظاهر والباطن.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يؤمن أحدُكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئتُ به))؛ قال النووي: "حديث صحيح، رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح".
وهذا الحديث يدل أن كلَّ إنسان لا يؤمن حتى يُحبَّ ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويعمل به، ويكره ما نهى عنه ويجتنبه، وأنه لا يعمل أيَّ عمل من الأعمال حتى يعرضه على كتاب الله - تعالى - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فإن وافق الكتابَ والسُّنة فَعَله، وإنْ خالفهما تركه واجتنبه وأعرض عنه، وهذا هو حقيقة مَن كان هواه تبعًا لما جاء به - صلى الله عليه وسلم - فجميعُ المعاصي والبدع إنما تنشأ من تقديم هوى النفس على محبة الله ورسوله.